هل تعرف ما هو رصيد بنك الأحاسيس؟ إنه ذلك البنك الذي يحوي رصيدك من الثقة لدى الطرف الآخر، وشعوره بالأمان معك، ووجود رصيد كاف لك عند هذا الآخر هو حجر الزاوية في نجاح الاتصال بينك وبينه، وفي قدرتك على التأثير فيه
خطورة بنك الأحاسيس
يقول الدكتور عبد الكريم بكار: ( إذا طالبنا الناس بأن يثقوا بنا؛ فإن ذلك الطلب لا يلقي في أكثر الأوقات الاستجابة المتوقعة؛ لأن الناس يمنحون الثقة ليس لمن يطلبها؛ ولكن لمن يثبت تعامله معهم أنه جدير بها)[256 بصيرة في الشخصية، د.عبد الكريم بكار، ص56].
فإذا قمت بإيداعات من النزاهة الشخصية والود والاهتمام واحترام الوعود مع شخص ما في رصيد بنك الأحاسيس، فإنك تكون لك عنده رصيدا تستطيع معه أن تكسب ثقته، وأن تعتمد على هذه الثقة وقتما تحتاج إليها، وقد ترتكب معه أخطاء عديدة بعد ذلك، لكنه سيغفرها لك بفضل رصيدك السابق، وسيسهل على الطرف المقابل فهمك حتى لو كانت غير واضح في تعبيرك عن أفكارك، سيكون حريصا على عدم جرح مشاعرك ولو بكلمة، وسيكون الاتصال بينكما سهلا ومباشرا وفعالا، كل هذا فقط حينما تهتم باستمرار بالإيداع في بنك الأحاسيس.
وعلى العكس من ذلك، فحينما تقوم باستمرار بالسحب من هذا الرصيد من خلال عدم الاحترام، وعدم الاهتمام بآراء الآخر ومشاعره، وتوجيه اللوم اللاذع له، وإخلاف وعودك معه؛ فإنك بذلك تهدم رصيد ثقتك عنده، إلى أن ينفذ الرصيد، وحينئذ تتدمر العلاقة بينكما، وتفشل عملية الاتصال.
مثالان هامان
وكلما كانت العلاقة أكثر ثباتًا واستقرارًا كالزواج مثلًا، احتاجت إلى رصيد أكثر غزارة وثباتًا، فإن الرصيد القديم يتلاشى ويستهلك مع عدم تجديده باستمرار، وهذا يفسر لنا سبب فشل كثير من الزيجات.
ففي البداية يحرص كلا الزوجين على شحن رصيد الأحاسيس والمشاعر، من إظهار المحبة والمودة، والاهتمام والرعاية، لكن بمرور الوقت يعتمد الزوجان على هذا الرصيد، ولا يحرصان على شحن أرصدة جديدة، وتبدأ الأرصدة القديمة في التلاشي.
ودعنا نضـرب مثالًا بالأطفال؛ فهم بطبيعتهم الفطرية أبسط الأمثلة على تأثير رصيد الأحاسيس، فإذا لقيت طفلًا لأول مرة ستجده متحفظًا منك وقلقًا من اللعب معك، وما أن تلاعبه، أو تعطي له لعبة أو قطعة من الشيكولاتة؛ حتى تجده تعود عليك ووثق فيك، وأخذ يلعب معك ويضحك.
ولكن المشكلة الأخطر تظهر في تعامل كثير من الآباء مع أبنائهم المراهقين؛ حيث ينسى كثير من الآباء زيادة رصيدهم عند أبنائهم في فترة المراهقة، ويهتمون أكثر بتوجيههم، وبإعطاء الأوامر لهم، فيكثر على لسان الأب: (ادخل ذاكر)، (سترسب يا فاشل)، (أنت لا تعرف مصلحتك أبدًا)، وينسى الأب وتنسى الأم شحن أرصدة الحب، والاحترام والتقدير، والمشاركة في الرأي وفي اتخاذ القرارات، ولا عجب بعد ذلك أن تجد عقوق الأبناء لوالديهم، وتمردهم على البيت، وعلى الأوامر والنواهي، وكل ذلك بسبب تجاهل قاعدة شحن الرصيد.
النبي صلى الله عليه وآله وسلم والاهتمام ببنك الأحاسيس :
والمتتبع لسنة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم يجد مدى حرصه على تقوية العلاقات بينه وبين صحابته، وبين الصحابة بعضهم بعضًا، بل وبين أفراد الأمة كلها؛ فها هو صلى الله عليه و آله و سلم يصف علاقة المؤمن بأخيه، فيقول: (المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضًا)[متفق عليه] ، ثم يحذر من كل ما يضعف رصيد الأحاسيس والمشاعر والثقة المتبادلة بين الأخوة، فيقول r: (ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تناجشوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا) [متفق عليه].
لقد كان الرسول صلى الله عليه و آله و سلم يقضي وقتًا كبيرًا في تقوية تلك الصلات الاجتماعية، فيعود من مرض من أصحابه، ويتبع جنازة من مات منهم، وإذا افتقد أحدهم في صلاة الصبح سأل عنه، ومن كان منهم في حاجة إلى المال ساعده بماله، وحث الصحابة على مساعدته، وكان حريصًا على المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وعلى إفشاء روح الحب والتعاون والاحترام فيما بينهم.
بل حتى مع بسطاء الصحابة والنساء العجائز، كان صلى الله عليه و آله و سلم حريصًا على رعايتهم والسؤال عنهم، فعن أبى هريرة أن امرأة سوداء كانت تقُمُّ [تجمع القمامة] المسجد ـ أو شابًّا ـ ففقدها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فسأل عنها ـ أو عنه ـ فقالوا مات، قال (أفلا كنتم آذنتمونى [أي أخبرتموني])، قال: فكأنهم صغروا أمرها ـ أو أمره ـ فقال: (دلونى على قبره)، فدلوه فصلى عليها، ثم قال: (إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم)[صحيح مسلم، 2259].
رصيد لا ينفذ
وانظر إلى هذه العلاقة القوية بين النبي صلى الله عليه و آله و سلم وصاحبه أبي بكر رضي الله عنه ، وكيف كان حرص كل منهما على الإيداع في بنك الأحاسيس باستمرار.
فها هو أبو بكر يلح على النبي صلى الله عليه و آله و سلم في إظهار الإسلام لكفار قريش، وكان عدد المسلمين يومئذ قليلا، حتى وافق النبي صلى الله عليه و آله و سلم ، فقام أبو بكر خطيبًا فثار المشركون عليه، وضربوه ضربًا شديدًا، ووُطِئ بالأقدام، وضُرب في وجهه ضربًا كثيرًا؛ حتى ما يعرف وجهه من قفاه.
وجاءت بنو تميم فحملوه إلى بيته، وهم لا يشكون في موته، فجعلوا يكلمونه، حتى أجابهم في آخر النهار، فكان أول ما نطق به: (ما فعل رسول الله؟).
ويصر أبو بكر ـ وهو في تلك الحالة ـ على ألا يتناول طعامًا ولا شرابًا حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ليطمئن عليه، فيخرج متكئًا في الليل إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم حتى يدخل عليه، فلما رآه النبي صلى الله عليه و آله و سلم أكبَّ عليه فقبله.[البداية والنهاية، ابن كثير، (3/419)].
وفي الهجرة يختار النبي صلى الله عليه و آله و سلم أبا بكر من بين كل الصحابة، ويأتي إليه فيقول له: (إنه قد أذن لي في الخروج والهجرة)، فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله، فقال صلى الله عليه و آله و سلم : (الصحبة)، ولذا تحكي عائشة رضي الله عنها هذا المشهد فتقول: فوالله، ما عرفت قط قبل ذلك اليوم أن أحدًا يبكي من الفرح، حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ.[السيرة النبوية، ابن كثير،(2/233)].
فانظر كيف تكون العلاقة، وكيف تكون الصحبة، وكيف تكون زيادة الرصيد بشكل دائم ومستمر، ويكفي تأكيدًا لقوة هذه العلاقة الإيمانية أن يذكرها الله تبارك وتعالى في كتابه {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: ٤٠].
وفي يوم من الأيام يقع خلاف يسير بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فيأتي عمر t إلى النبي r، فجعل وجه رسول الله r يتمعر، حتى أشفق أبو بكر t فجثى على ركبتيه وقال: يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم، فقال النبي r: (إن الله بعثني إليكم، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟) [البخاري،3661].
فانظر إلى أثر تلك الكلمات النبوية على قلب أبي بكرt، بعد أن دافع عنه النبي صلى الله عليه و آله و سلم وذكر فضائله، بل وصرح بأنه صاحبه، وفي ختام حياة النبي صلى الله عليه و آله و سلم وقبل وفاته، يأتي تصريحه الشهير: (... ولو كنت متخذًا من الناس خليلًا؛ لاتخذت أبا بكر خليلًا) [متفق عليه].
استثمار طويل الأجل
وإذا كنت كأغلب الناس قد أتلفت رصيد الثقة بينك وبين زوجتك أو بينك وبين ابنك مثلًا؛ فلا تبتئس من أجل ذلك، يمكنك البدء في إصلاحه على الفور بالحرص على الإيداعات الإيجابية في رصيدك لديه، وعلى سبيل المثال، فإن( أكثر الإيداعات أهمية والذي يمكن أن تودعه لدى ابنك، هو أن تستمع فقط إليه، بدون إصدار أحكام أو إلقاء مواعظ، أو أن تقرأ له سيرتك الذاتية حول مايقوله، عليك فقط أن تستمع إليه، وتحاول أن تفهمه، دعه يشعر باهتمامك به، وقبولك له كإنسان.
ربما لا يستجيب لك في البداية، وحتى قد يكون في حالة ريبة مما تفعله، وتقدمه له، فقد يقول في نفسه: ماذا يقصد أبي من وراء ذلك؟ ما الطريقة التي تجربها أمي معي هذه المرة؟ غير أنه مع الحفاظ على استمرار هذه الإيداعات الصادقة التي لا زيف فيها ستبدأ في زيادة حسابك، وبالتالي تتضاءل عملية السحب المفرط من الحساب)[العادات السبع لأكثر الناس فاعلية، ستيفن كوفي، ص266، بتصرف].
أما إذا أردت إصلاحا سريعا؛ فاعلم أن هذا إنما هو محض سراب، فإن إصلاح العلاقات هو نوع من الاستثمار طويل الأجل الذي لايمكن أن يحدث في العادة بين يوم وليلة.
الاهتمام هو البداية
ولكن كيف يمكن تحديدًا أن يكون الإنسان ثروة في رصيد الثقة المودعة باسمه في بنك الأحاسيس لدى الآخرين؟
إن البداية الحقيقية لذلك أن تقيم للناس وزنًا، وأن تعرف أن من أكثر العوامل أهمية في نجاحك الشخصي والعائلي والعملي أن تتمتع بحب الآخرين وثقتهم، فإن لم يكن للعلاقات مع الآخرين هذه الأهمية في خاطرك؛ فإنك ستفشل ولا بد في اكتساب ثقتهم حتى لو كنت تتظاهر بإبداء ذلك الاهتمام، كما يقول ليز جيبلين: ( لا يسعك أن تشعر رفاقك بالأهمية في حضورك إذا كنت لا تقيم لهم وزنا في سريرتك)[لليوم أهميته، جون ماكسويل، ص222].
خطورة بنك الأحاسيس
يقول الدكتور عبد الكريم بكار: ( إذا طالبنا الناس بأن يثقوا بنا؛ فإن ذلك الطلب لا يلقي في أكثر الأوقات الاستجابة المتوقعة؛ لأن الناس يمنحون الثقة ليس لمن يطلبها؛ ولكن لمن يثبت تعامله معهم أنه جدير بها)[256 بصيرة في الشخصية، د.عبد الكريم بكار، ص56].
فإذا قمت بإيداعات من النزاهة الشخصية والود والاهتمام واحترام الوعود مع شخص ما في رصيد بنك الأحاسيس، فإنك تكون لك عنده رصيدا تستطيع معه أن تكسب ثقته، وأن تعتمد على هذه الثقة وقتما تحتاج إليها، وقد ترتكب معه أخطاء عديدة بعد ذلك، لكنه سيغفرها لك بفضل رصيدك السابق، وسيسهل على الطرف المقابل فهمك حتى لو كانت غير واضح في تعبيرك عن أفكارك، سيكون حريصا على عدم جرح مشاعرك ولو بكلمة، وسيكون الاتصال بينكما سهلا ومباشرا وفعالا، كل هذا فقط حينما تهتم باستمرار بالإيداع في بنك الأحاسيس.
وعلى العكس من ذلك، فحينما تقوم باستمرار بالسحب من هذا الرصيد من خلال عدم الاحترام، وعدم الاهتمام بآراء الآخر ومشاعره، وتوجيه اللوم اللاذع له، وإخلاف وعودك معه؛ فإنك بذلك تهدم رصيد ثقتك عنده، إلى أن ينفذ الرصيد، وحينئذ تتدمر العلاقة بينكما، وتفشل عملية الاتصال.
مثالان هامان
وكلما كانت العلاقة أكثر ثباتًا واستقرارًا كالزواج مثلًا، احتاجت إلى رصيد أكثر غزارة وثباتًا، فإن الرصيد القديم يتلاشى ويستهلك مع عدم تجديده باستمرار، وهذا يفسر لنا سبب فشل كثير من الزيجات.
ففي البداية يحرص كلا الزوجين على شحن رصيد الأحاسيس والمشاعر، من إظهار المحبة والمودة، والاهتمام والرعاية، لكن بمرور الوقت يعتمد الزوجان على هذا الرصيد، ولا يحرصان على شحن أرصدة جديدة، وتبدأ الأرصدة القديمة في التلاشي.
ودعنا نضـرب مثالًا بالأطفال؛ فهم بطبيعتهم الفطرية أبسط الأمثلة على تأثير رصيد الأحاسيس، فإذا لقيت طفلًا لأول مرة ستجده متحفظًا منك وقلقًا من اللعب معك، وما أن تلاعبه، أو تعطي له لعبة أو قطعة من الشيكولاتة؛ حتى تجده تعود عليك ووثق فيك، وأخذ يلعب معك ويضحك.
ولكن المشكلة الأخطر تظهر في تعامل كثير من الآباء مع أبنائهم المراهقين؛ حيث ينسى كثير من الآباء زيادة رصيدهم عند أبنائهم في فترة المراهقة، ويهتمون أكثر بتوجيههم، وبإعطاء الأوامر لهم، فيكثر على لسان الأب: (ادخل ذاكر)، (سترسب يا فاشل)، (أنت لا تعرف مصلحتك أبدًا)، وينسى الأب وتنسى الأم شحن أرصدة الحب، والاحترام والتقدير، والمشاركة في الرأي وفي اتخاذ القرارات، ولا عجب بعد ذلك أن تجد عقوق الأبناء لوالديهم، وتمردهم على البيت، وعلى الأوامر والنواهي، وكل ذلك بسبب تجاهل قاعدة شحن الرصيد.
النبي صلى الله عليه وآله وسلم والاهتمام ببنك الأحاسيس :
والمتتبع لسنة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم يجد مدى حرصه على تقوية العلاقات بينه وبين صحابته، وبين الصحابة بعضهم بعضًا، بل وبين أفراد الأمة كلها؛ فها هو صلى الله عليه و آله و سلم يصف علاقة المؤمن بأخيه، فيقول: (المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضًا)[متفق عليه] ، ثم يحذر من كل ما يضعف رصيد الأحاسيس والمشاعر والثقة المتبادلة بين الأخوة، فيقول r: (ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تناجشوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا) [متفق عليه].
لقد كان الرسول صلى الله عليه و آله و سلم يقضي وقتًا كبيرًا في تقوية تلك الصلات الاجتماعية، فيعود من مرض من أصحابه، ويتبع جنازة من مات منهم، وإذا افتقد أحدهم في صلاة الصبح سأل عنه، ومن كان منهم في حاجة إلى المال ساعده بماله، وحث الصحابة على مساعدته، وكان حريصًا على المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وعلى إفشاء روح الحب والتعاون والاحترام فيما بينهم.
بل حتى مع بسطاء الصحابة والنساء العجائز، كان صلى الله عليه و آله و سلم حريصًا على رعايتهم والسؤال عنهم، فعن أبى هريرة أن امرأة سوداء كانت تقُمُّ [تجمع القمامة] المسجد ـ أو شابًّا ـ ففقدها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فسأل عنها ـ أو عنه ـ فقالوا مات، قال (أفلا كنتم آذنتمونى [أي أخبرتموني])، قال: فكأنهم صغروا أمرها ـ أو أمره ـ فقال: (دلونى على قبره)، فدلوه فصلى عليها، ثم قال: (إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم)[صحيح مسلم، 2259].
رصيد لا ينفذ
وانظر إلى هذه العلاقة القوية بين النبي صلى الله عليه و آله و سلم وصاحبه أبي بكر رضي الله عنه ، وكيف كان حرص كل منهما على الإيداع في بنك الأحاسيس باستمرار.
فها هو أبو بكر يلح على النبي صلى الله عليه و آله و سلم في إظهار الإسلام لكفار قريش، وكان عدد المسلمين يومئذ قليلا، حتى وافق النبي صلى الله عليه و آله و سلم ، فقام أبو بكر خطيبًا فثار المشركون عليه، وضربوه ضربًا شديدًا، ووُطِئ بالأقدام، وضُرب في وجهه ضربًا كثيرًا؛ حتى ما يعرف وجهه من قفاه.
وجاءت بنو تميم فحملوه إلى بيته، وهم لا يشكون في موته، فجعلوا يكلمونه، حتى أجابهم في آخر النهار، فكان أول ما نطق به: (ما فعل رسول الله؟).
ويصر أبو بكر ـ وهو في تلك الحالة ـ على ألا يتناول طعامًا ولا شرابًا حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ليطمئن عليه، فيخرج متكئًا في الليل إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم حتى يدخل عليه، فلما رآه النبي صلى الله عليه و آله و سلم أكبَّ عليه فقبله.[البداية والنهاية، ابن كثير، (3/419)].
وفي الهجرة يختار النبي صلى الله عليه و آله و سلم أبا بكر من بين كل الصحابة، ويأتي إليه فيقول له: (إنه قد أذن لي في الخروج والهجرة)، فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله، فقال صلى الله عليه و آله و سلم : (الصحبة)، ولذا تحكي عائشة رضي الله عنها هذا المشهد فتقول: فوالله، ما عرفت قط قبل ذلك اليوم أن أحدًا يبكي من الفرح، حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ.[السيرة النبوية، ابن كثير،(2/233)].
فانظر كيف تكون العلاقة، وكيف تكون الصحبة، وكيف تكون زيادة الرصيد بشكل دائم ومستمر، ويكفي تأكيدًا لقوة هذه العلاقة الإيمانية أن يذكرها الله تبارك وتعالى في كتابه {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: ٤٠].
وفي يوم من الأيام يقع خلاف يسير بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فيأتي عمر t إلى النبي r، فجعل وجه رسول الله r يتمعر، حتى أشفق أبو بكر t فجثى على ركبتيه وقال: يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم، فقال النبي r: (إن الله بعثني إليكم، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟) [البخاري،3661].
فانظر إلى أثر تلك الكلمات النبوية على قلب أبي بكرt، بعد أن دافع عنه النبي صلى الله عليه و آله و سلم وذكر فضائله، بل وصرح بأنه صاحبه، وفي ختام حياة النبي صلى الله عليه و آله و سلم وقبل وفاته، يأتي تصريحه الشهير: (... ولو كنت متخذًا من الناس خليلًا؛ لاتخذت أبا بكر خليلًا) [متفق عليه].
استثمار طويل الأجل
وإذا كنت كأغلب الناس قد أتلفت رصيد الثقة بينك وبين زوجتك أو بينك وبين ابنك مثلًا؛ فلا تبتئس من أجل ذلك، يمكنك البدء في إصلاحه على الفور بالحرص على الإيداعات الإيجابية في رصيدك لديه، وعلى سبيل المثال، فإن( أكثر الإيداعات أهمية والذي يمكن أن تودعه لدى ابنك، هو أن تستمع فقط إليه، بدون إصدار أحكام أو إلقاء مواعظ، أو أن تقرأ له سيرتك الذاتية حول مايقوله، عليك فقط أن تستمع إليه، وتحاول أن تفهمه، دعه يشعر باهتمامك به، وقبولك له كإنسان.
ربما لا يستجيب لك في البداية، وحتى قد يكون في حالة ريبة مما تفعله، وتقدمه له، فقد يقول في نفسه: ماذا يقصد أبي من وراء ذلك؟ ما الطريقة التي تجربها أمي معي هذه المرة؟ غير أنه مع الحفاظ على استمرار هذه الإيداعات الصادقة التي لا زيف فيها ستبدأ في زيادة حسابك، وبالتالي تتضاءل عملية السحب المفرط من الحساب)[العادات السبع لأكثر الناس فاعلية، ستيفن كوفي، ص266، بتصرف].
أما إذا أردت إصلاحا سريعا؛ فاعلم أن هذا إنما هو محض سراب، فإن إصلاح العلاقات هو نوع من الاستثمار طويل الأجل الذي لايمكن أن يحدث في العادة بين يوم وليلة.
الاهتمام هو البداية
ولكن كيف يمكن تحديدًا أن يكون الإنسان ثروة في رصيد الثقة المودعة باسمه في بنك الأحاسيس لدى الآخرين؟
إن البداية الحقيقية لذلك أن تقيم للناس وزنًا، وأن تعرف أن من أكثر العوامل أهمية في نجاحك الشخصي والعائلي والعملي أن تتمتع بحب الآخرين وثقتهم، فإن لم يكن للعلاقات مع الآخرين هذه الأهمية في خاطرك؛ فإنك ستفشل ولا بد في اكتساب ثقتهم حتى لو كنت تتظاهر بإبداء ذلك الاهتمام، كما يقول ليز جيبلين: ( لا يسعك أن تشعر رفاقك بالأهمية في حضورك إذا كنت لا تقيم لهم وزنا في سريرتك)[لليوم أهميته، جون ماكسويل، ص222].
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق